بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بعث محمداً بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً . وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيدا . … أما بعد .
فأسأل الله -جل وعلا- أن يجعلنا ممن إذا أُعطي شكر ، وإذا ابتلي صبر ، وممن إذا أذنب استغفر . وأسأله -سبحانه وتعالى- أن يُعيذنا من مضلات الفتن ، وأن يجعلنا من الذين اهتدوا بهداه . نعوذ بك ربي أن نَضل أو نُضل أو نَذل أو نُذل ، أو نَجهل أو يُجهل علينا اللهم فأعذنا .
مقدمة
أهمية العقيدة في حياة المسلم :
هذا وإن موضوع هذا الكتاب موضوع مهم؛ لأنه متصل بالعقيدة ، وبيان عقيدة الإسلام أهم وأوجب ما يتعلمه العبد؛ لأن بها صحة إيمانه وصحة إسلامه ، والعبد بلا عقيدة كالجسد بلا روح؛ لأن العقيدة هي أساس قيام الأعمال .
فكل عمل ليس على أساس عقدي صحيح ، فهو غير مقبول؛ لأن الله -جل وعلا- قال لنا : ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ آوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [ سورة النحل : الآية 97 ] قال جل وعلا : ﴿ مَنْ عَمِلَ ﴾ ، ثم قال﴿ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾ فلا بد في العمل من أن يكون العبد مؤمناً . ومعنى كونه مؤمناً أن يكون ذا عقيدة صحيحة عقيدة إسلامية واضحة التي هي عقيدة الإيمان .
العقيدة الإسلامية وأركان الإيمان الستة :
ولهذا قال لنا علماؤنا -علماء أهل السنة والجماعة : إن العقيدة الإسلامية مبنية على فهم أركان الإيمان ، فمن آمن بأركان الإيمان الستة ، وحقَّق ذلك فقد حقَّق العقيدة الحقة ، وأركان الإيمان هي أركان العقيدة .
فإذا اعتقد العبد الاعتقاد الصحيح في الله -جل وعلا- فآمن بالله -جل وعلا- ربًّا وآمن به -جل وعلا- إلهاً واحدا لا شريك له ، وآمن بأسماء الله وصفاته وأنه سبحانه لا مثيلَ له في أسمائه وصفاته ولا نِدَّ له ولا سَمِيَ له ولا كفؤ له ، وآمن بأنه –سبحانه- أرسل رسلاً جعلهم هداة إلى الخلق ، هداة للخلق إلى الله -جل وعلا- فمن أطاعهم استحق الجنة ومن عصاهم استحق النار ، وآمن بكل رسول أرسله الله -جل وعلا- وآمن بالملائكة وآمن بالكُتُب ، وآمن باليوم الآخر ، وآمن بأن القدر خيره وشره من الله تعالى ، فإنه على خير؛ لأن هذه الأركان هي أركان الإيمان التي هي أساس عقيدة الإسلام .
ولهذا إذا سئل المسلم ما هي العقيدة؟ فليجب بأن العقيدة هي أركان الإيمان الستة . ومَن فهم هذه الأركان الستة ، وفهم تفصيل الكلام حولها فقد علم العقيدة الإسلامية؛ ولهذا بنى علماؤنا -رحمهم الله تعالى- بيان العقيدة الإسلامية – عقيدة أهل السنة والجماعة على ما دلت عليه النصوص . بنوها على أركان الإيمان الستة وما يتصل بذلك من مباحث كما سيأتي مبيناً إن شاء الله تعالى .
أهمية دراسة العقيدة للفرد المسلم :
ومن ثَمَّ أؤكد على أهمية دراسة هذا الموضوع ، وأنه يجب على كل واحد منا أن يعتني بالعقيدة ، يعتني بها حفظاً ، ويعتني بها تعلماً . ولا عيب على كبير أن يجلس إلى أهل العلم يتعلم العقيدة بجميع ما في أركان الإيمان من مباحث؛ لأن هذا ينور قلبه ، فكلما قويت العقيدة قوي نور القلب؛ لأن حقيقة العقيدة هي ما يُعقد عليه القلب من المعلومات من الأخبار من الاستسلام لله جل وعلا؛ لأن الإيمان بالله -جل وعلا- وبملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبأن القدر خيره وشره من الله تعالى يعقد قلب المسلم على أمر صحيح لا غلط فيه .
وأما إذا لم يعقد المرء قلبه في الله -جل وعلا- على معتقد صحيح إما من جهة استحقاقه -جل وعلا- للألوهية وحده ، أو من جهة نفي بعض الأسماء والصفات أو تحريف ذلك أو عدم الاستسلام لما دلت عليه النصوص ، أو قدَّم العقل على كلام الحق -جل وعلا- فإنه لا يكون قد حقَّق الإيمان بالله تعالى .كذلك إذا لم يؤمن بما جاءت به النصوص في الكلام على اليوم الآخر ، وأجرى ذلك على ظاهره لأنه أمر غيـبي فإن قلبه لم يعقد على الإيمان عقداً صحيحاً .
ولهذا نرى أن كثيراً من أهل العلم يعبرون عن العقيدة والإيمان -في مثل هذا الموضع- بقولهم : هذا عَقْد الإيمان- أي هذا الذي يكون معه المؤمن عاقداً قلبه على الإيمان . وإذا عقد المسلم قلبه على علم فإن هذا يعني المحافظة عليه ، وعدم انفكاك القلب عنه .
منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة مبني على نصوص الكتاب والسنة :
ومن ثَم نعرض لبيان العقيدة الإسلامية على منهج أهل السنة والجماعة بعامة . ومنهج أهل السنة والجماعة مبني على دلالات النصوص؛ لهذا بنوا عقيدتهم على أركان الإيمان ، بل وبنوا اعتقادهم في كل الأخبار الغيبية وما ينبني عليها على الاستسلام للنص . وهذا أصل مبدئي عظيم ، فَارَق فيه أهلُ السنة والجماعة غيرَهم ، فقد اختلف الناس في تحديد مصدر الاعتقاد .
وأهل السنة من الصحابة رضوان الله عليهم ، والتابعين لهم بإحسان ، ومن تبعهم ، وأئمة الإسلام كالإمام مالك والشافعي وأحمد وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة والليث والأوزاعي وإسحاق وابن خزيمة وجماعات وابن جرير وجماعات أئمة الإسلام قالوا : العقيدة تُبنى على الكتاب وعلى صحيح السنة ، أي ما ثبت من السنة .
وأما غيرهم فقالوا : مَصْدر تَلَقِّي العقيدة الإسلامية العقل أولاً ، ثم النص ثانياً . فقدموا العقل على ما دلت عليه النصوص لشبهة قامت عندهم في ذلك . ولكن الحق أنه لا أحد أعلم بالإخبار عن نفسه -جل وعلا- وعن رسله عليهم السلام ، وعن ملائكته و عن الأمور الغيبية من الله -جل وعلا- . فهل ثَم أعلم من الله جل وعلا؟ هل ثَم أصدق من الله -جل وعلا-؟
هو سبحانه أصدق وأعلم مَن يُخْبر عنه -جل وعلا- ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾ [ سورة النساء : الآية 87 ] ،﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾ [ سورة النساء : الآية 122 ] . فيجب الاستسلام لله -سبحانه وتعالى- ولخبره ، فما أتانا منه -جل وعلا- من الأخبار فهو المصدَّق ، كما قال سبحانه : ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [ سورة الأنعام : الآية 115 ] ، صدقاً في الأخبار ، وعدلاً في الأمر والنهي . فكل خبر أخبر الله -جل وعلا- به ، وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم فهو صدق وحق .
http://salehalshaikh.com/wp2/?p=734