تابع مفهوم العقيدة
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يَلقى اللهَ بهما عبدٌ غير شاكٍّ فيهما، إلا دخل الجنة))[6]، بالنسبة للمؤمن يَعتقِد العديد مِن الاعتقادات، فذِهنُه مثلاً يَجزم بأن الله موجود، وأن الله له صفات الكمال، وبأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - رسول الله، وبأن القرآن كلام الله حق، وأن كلام نبيه - صلى الله عليه وسلم - صدق.
ويُمكِن تعريف العقيدة الإسلامية بتعريف مختصَر، فنقول: العقيدة هي التصديق الجازم بالعقائد الواردة في القرآن والسنَّة والعمل بمقتضاها، أو المسائل العِلمية التي صحَّ بها الخبر عن الله ورسوله، والتي يَجب أن يَنعقِد عليها قلب المسلم.
مسائل العقيدة لا تقبل الجدال ولا المناقَشة:
والعقيدة الإسلامية هي الأسس التي يقوم عليها الدِّين الإسلامي، ومسائل العقيدة لا تقبل الجدال ولا المناقَشة؛ لأنها ثوابتومسلَّمات ويُطلَق على العقيدة ثوابت دِين الإسلام، ويُطلَق عليها مُسلَّمات، ويُطلَق عليها قطعيات، ويُطلَق عليها أصولاً.
العقيدة الإِسلاميَّة عند إطلاقها هي عقيدة أَهل السُّنَّة والجماعة:
والعقيدة الإِسلاميَّة عند إطلاقها فهي عقيدة أَهل السنَّة والجماعة؛ لأنَّها هي الإِسلام الذي ارتضاه الله دينًا لعباده، وهي عقيدة القرون الثلاثة المفضَّلة مِن الصحابة والتابعين وتابعيهم بإِحسان إلى يوم الدِّين.
ما وجه الارتباط بين المعنى اللُّغوي والمعنى الشرعي لكلمة العقيدة؟
وإن سأل سائل: ما وجه الارتباط بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعيِّ لكلمة العقيدة؟
فالجواب: وجه الارتباط بين المعنى اللغويِّ، والمعنى الشرعي لكلمة العقيدة: هو أن كلمة عقيدة مِن العقد، والعقد هو ربط الشيء؛ أي: الجمع بين أطراف الشيء، فكأن المُعتقِد قد جمع أطرافَ قلبه، وعقَد ضميره على مُعتقَدِه، فأحكم وثاقَه بالأدلة القاطِعة لدَيه، والبراهين التي قامت على معتقدِه، وسُمِّيَت العقيدة عقيدةً؛ لأن القلب يَعْقِدُ عليها العزم، فأصل العقيدة مادة العقد، وهي تدور حول الإحكام والشَّدِّ، وعَقَدتُ الحبل: إذا رَبطْتَهُ بشدة.
أسماء علم العقيدة عند أهل السنة والجماعة:
وللعقيدة الإِسلامية أَسماء مُتعدِّدة عند أَهل السُّنَّة والجماعة، منها: العقيدة، والاعتقاد، والعقائد، والتوحيد، والسنَّة، والشريعة، والإيمان، وأصول الدِّين، وما مِن اسمٍ مِن هذه الأسماء إلا وتجد بعض الأئمة قد صنَّف كتابًا وسماه بهذا الاسم، فكم مِن كتاب لأئمة السلف اسمه الإيمان أو التوحيد أو أصول الدِّين أو نحو ذلك[7].
ومِن المؤلَّفات التي ألَّفها العلماء تحت اسم العقيدة: "اعتقاد أئمة الحديث"؛ لأبي بكر الإسماعيلي، و"شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة"؛ لأبي القاسم اللالكائي، و"عقيدة السلف أصحاب الحديث"؛ لأبي عثمان الصابوني.
مصطلح العقيدة ومحله من نصوص القرآن والسنَّة:
وإن قيل: لا يجوز شرعًا استعمال مصطلح عقيدة؛ لأنه لم يرد في كتاب الله - عز وجل - ولا في سنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجوابه: أن لا مشاحَّة في الاصطلاح.
وليست العِبرة بالتقسيم؛ إنما العِبرة بالمعنى، والمسميات والتقسيمات اجتهادية، فإذا كان هذا الاصطلاح استُخدِمَ في معنى صحيح، ولم يتضمَّن معنى فاسدًا، ولم يُخالف الشرع، ولم يختصَّ به أهل البدع، فلا بأس به، وإذا كان هذا الاصطلاح استُخدِمَ في معنى غير صحيح، أو تضمَّن معنًى فاسدًا، أو اختص به أهل البدع، أو خالف الشرع، فلا يجوز.
وقد استعمل العلماء مصطلح العقيدة دون نكير، كما أنهم لم يُنكروا مصطلح الفاعل والمفعول به، والمبتدأ والخبر، والحال والمفعول المطلَق، ونحو ذلك في النحو.
والحديث الصحيح والضعيف والحسن، والمنقطِع والمرسَل والمُعلَّل، ونحو ذلك في مصطلح الحديث.
والعام والخاص، والمُطلَق والمقيَّد، والظاهر والنص، والمُحكَم والمُتشابه، ونحو ذلك في أصول الفقه؛ لأن المعاني التي تضمَّنتها هذه التسميات وهذه الاصطلاحات معانٍ صحيحة.
أما المصطلحات التي تكون معانيها باطلة؛ كاصطلاحات الأشاعرة: العرَض، والجِسم، والجوهر الفرد، ونحو ذلك، فهي لا تَجوز؛ ليس لكون الأشاعرة استخدموا مصطلحات جديدة، بل لأن هذه المصطلحات تتضمَّن معانيَ باطِلة.
وكلمة (العقيدة) مأخوذة مِن عقد الحبل إذا وثَّقتَه، والعَقد المقصود به التوثيق الذي يدلُّ على معنى اليقين، فما يعتقده الإنسان ويوقن به، يُمكن تسميتُه عقيدةً، ولا يتضمَّن هذا معنى فاسدًا، والغرض مِن الاسم تمييز المُسمى عن غيره ومعرفتُه به.
والعقيدة مصطلَح ذكَره العلماء المتأخِّرون لجملة المسائل التي تتعلَّق بعقيدة الإنسان، وهذه المسائل تُسمى في القرآن والسنَّة "الإيمان"، فاللفظ الحقيقيُّ الذي أكثرت النصوص مِن إيراده هو لفظ الإيمان، ولذلك سمى بعض السلف بعض ما كتبوه بالإيمان اسم العقيدة، وإن كان الوارد في القرآن والسنَّة هو الإيمان؛ قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52]، وقال تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ﴾ [البقرة: 177]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - حين سأله سيدنا جبريل عن الإيمان: ((أن تؤمِن بالله وملائكته وكتُبه ورسله واليوم الآخِر، وتؤمن بالقدر خيره وشرِّه))[8].
ومِن أسماء العقيدة الصحيحة "السنَّة"، وتُطلَق السنَّة بمعنى شرعيٍّ عام يشمل ما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه الراشدون مِن الاعتقادات والأعمال والأقوال، وهذه هي السنَّة الكاملة، ولهذا كان السلف قديمًا لا يُطلِقون السنة إلا على ما يَشمل ذلك كله[9].
وليس المقصود بالسنَّة هنا الاصطلاح الفقهي، أو الاصطلاح الأصولي المتعلِّق بالأحكام التكليفة، وهي أن السنَّة ما يُثاب فاعلها ولا يُعاقب تاركها، هذا اصطلاح خاص عند الفقهاء، لكن السنَّة كمُصطلح شرعيٍّ ورَد في النصوص النبوية يُراد به العقيدة الصحيحة التي خلافها البدع[10].